جراحات عربية

صفحات بيضاء و سوداء من حياة ملونة

لم تكن قطع القماش الرثة كافية لتغطي كامل جسده العاري رغم محاولتها العديدة لفعل ذلك .
في تلك الزاوية الصغيرة استطاع أن يجمع جسده أو ما تبقى من جسده في كتلة كروية واحدة لعل حرارة كل قسم تبعث الدفء في القسم الاخر و اضعا ذراعيه فوق ركبتيه المثنيتين مدليا رأسه عليهما في محاولة ليسرق بضع لحظات من النوم و الأحلام و ما أدراه ما الأحلام فهل يمكن له أن يحلم و أيسمح لمثل هؤلاء المسحقوين بأقدام الدهر أن يفرحوا أو أن يجدوا ما يشغلهم عن بؤسهم حتى في الأحلام
لم يجد صديقنا الا أحد الزوايا في الشارع ذاته الذي شيد فيه أعظم فنادق دمشق فترى صورة ارتسم فيها رمز من رموز المال و رمز من رموز شقاء الحال .
لمحت تلك الزاوية التي تحضنه كل يوم و التي اعتادت ان تكون أمه في كافة الأوقات و كعادتي الغبية نظرت الى ساعتي فاذا بها قد تجاوزت الثانية عشرة بعد منتصف الليل فمددت يدي الى جيبتي لأخرج بعض القطع المعدنية و أعطيه اياها كمساعدة قد تساعده في جمع ما ينقصه من المبلغ الذي وجب عليه جمعه ليتمكن من العودة الى بيته .
اقتربت منه و وضعت تلك القطع على ذلك الصديق الأزلي و الذي لا يمكن للصورة أن تكتمل بغيابه ميزانه الأبيض الباهت و الذي لو وضع لوحده في صورة لجعلها تقطر حزنا
رفع رأسه بمعاناة و كأن رأسه قد اعتاد على مكانه السابق و كأنه ينظر الى الشيطان الذي يسكن الأرض بعد أن يأس من استجداء رب السموات فنظرت اليه و حاولت رسم ابتسامة على وجهي و كأنها أشبه بتحية فألقى بنظره على النقود ثم علي و ابتسم ابتسامة أحد حروفها كلمة شكرا و لكن باقي الحروف تحمل الكثير من المعاني و التي عجزت عن فهم معظمها و لكن أحدها كان يهزأ بهذه الكمية القليلة من النقود و بقدرتها على حل احدى مشكلاته و أعاد رأسه الى مكانه المعتاد و كأن شيء لم يكن .
أردت متابعة طريقي الى منزلي و لكن شيئا ما منعني علله الاحساس الذي تولد في نفسي بالتقصير فاقتربت منه أكثر هذه المرة و سألته ما بك يا صديقي أرى بأن هذه النقود لم تكن كفيلة باسعادك و لو قليلا
قال : و ماذا عساي أفعل بهذه النقود ...علها تكون اليوم قادرة على اطعام امي و اخوتي الصغار الذين ينتظرون الطعام في المنزل و لكن ماذا عساي أفعل غدا و بعد غد و الذي يليه هل نقودك قادرة أن تشتري الطعام كل يوم ؟
قلت له : اليوم تحصل على النقود مني و غدا من غيري و بعد غد من اخر ما دمت تعمل على ميزانك
ابتسم ابتسامة هازأة و قال : أتعلم أنني أصبحت أكره المطر غدا تمطر الدنيا و يعود الناس الى سيارتهم التي يركنوها هنا مشيرا باصبعته الى بوابة الكراج الخاصة بالفندق و التي يدفعون المال من أجل ابقائها هنا في الأسفل حيث لا برد و لا مطر ولا شمس في بعض الأيام أحسد هذه السيارات أتمنى أن أكون اطارا من اطاراتها
و بالطبع لن تتوقف تلك السيارات من أجل شخص فقير مثلي يستجدي النقود فأعود الى بيتي خال الوفاض و أنام على تأوهات اخوتي الصغار و امالي بتوقف المطر في اليوم التالي
وجدت نفسي عاجزا عن الحديث اليه و تساءلت أيجب عليي أن أحدثه عن أن عظماء التاريخ كانوا من الفقراء و من أبناء الطبقات المسحوقة أم يجب عليي أن أقدم له مجموعة من الجمل و التشدقات التشجيعية فأعرض نفسي للهزأ منه أولا ومن عقلي ثانيا أم أكفر بكل ما حولي من بشر و الهة و عقول و نقود
أدرت ظهري بسرعة مخفيا و خوفا من تلك الدمعة التي قررت أن تفتح الباب و تخرج لأجل ذلك الطفل
عندها علمت ماذا يجب أن أفعل
عليي أن أكفر بنفسي لأن رجولتي الحمقاء منعت تلك الدمعة من أن تذرف لأجل طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره و لكن الدهر يقتات من لحمه و يرتوي من دمه .

3 التعليقات:

قصة محزنة.. و للأسف واقعية..

لمست في ما كتبت عدّة جوانب مؤسفة من حياتنا (العصرية؟)

كنت سأبدأ بلعن من يستحق اللعن.. لكن بماذا يفيد اللعن...


مع التحية و الشكر صديقي العزيز

عني قررت أكفر

من سنتين كنت ماشية بشارع العابد و زلمة نايم عالرصيف، زلمة قد جدي يمكن.منظره وهو ملحوش عالرصيف نايم ببكي الحجر.
جمدني منظره، بما انه نحنا ما شالله من جديد هالمشاهد عم تطلع بالشوارع عنا وماحدا عم يتنكش .
طلعت من جيبتي مبلغ، بس احترت كيف بدي فيئه او كيف بدي مد أيدي لجيبته و حطله ياهم.
خفت يفيء و يهجم علي ، يفكرني عم اسرقه او اي شي..ضليت واقفة ، قلت بركي بفيئ من حاله وبعطيه ياهم بأيده..بس كان غاطط بالنوم.
قلت بالأخير مافي غير وقف زلمة و قله يحطله المبلغ بجيبته.
وقفت اول واحد زلمة طلع بوشي ، و حطيت كل التهذيب بوشي و سألته: معلش لو سمحت تحط هالمصاري بجيبة هالشيخ يلي نايم عالرصيف..
الزلمة اطلع فيني من فوق لتحت كاني عم اطلب منه يلحش حاله تحت شي سيارة..قلي : وما تمدي ايدك و تحطيهم أنتي!
وحمل حاله ومشي

اي يعني بالنهاية مو شي بكفر؟
فكري اي بكفر.

ياسينو شكرا لتنويرك مدونتي المتواضعة أمامك
و اي والله شي بيكفر يا أمنية

إرسال تعليق