جراحات عربية

صفحات بيضاء و سوداء من حياة ملونة

في احدى تلك المحاولات الفاشلة لفصل العقل عن القلب في معالجة الأمور و التعامل مع المعطيات المطروحة على الساحة الاسرائيلية الفلسطينية (ان صح التعبير ) أو بالأحرى الحماسية (لوجه الدقة)
-قد يستغرب البعض و يستنكر الحديث بهذا المستوى من الفتور عن الأزمات أو الكوارث أو النكسات أو النكبات أو الانتصارات أو النسبيات التي تجري في غزة و الى من هنالك من هذه المصطلحات التي تزخر بها معاجمنا العربية و لا أقصد اللغوية منها و انما السياسية و لكنني بعد لم أجد كلمة واحدة لتكون أهلا للوصف الدقيق أو الوصف الذي يكون أقرب للواقع للحالة الانسانية هنالك
لذلك سأتغاضى عن الوصف كي لا أشعر بضعفي و عجزي و التقصير في أداء المهمة -
ما هي تلك المحاولات الفاشلة ؟؟؟؟
هي تلك الزاوية التي أحاول الوقوف فيها و أحاول من خلالها رؤية النزاعات بعين جديدة و تفسير النتائج بعقل جديد بعيدا عن كافة أنواع و أشكال العواطف الانسانية من جهة و القومية من جهة أخرى التي قد تكون مخدرا في بعض الأحيان لمركز التحليل و التفسير المنطقي في العقل البشري
هذه المشكلة التي طالما عانيت منها أنا و غيري من الانفعالين (القومين أو الانسانين أو الاقليمين و حتى المتطرفين........... )في محاكمة الأمور و ادراك صوابها فتدفعنا حميتنا التي يصعب السيطرة عليها أحيانا الى التنبؤ بأمور قد لا تكون منطقية أبدا و لا تتصل للوقائع الميدانية و السياسية بأي صلة و قد لا يتوقف الأمر على مجرد التنبؤ و حسب بل يتعداه أيضا الى بناء مجموعة من الامال و الاحلام التي سوف تؤدي في نهاية الأمر الى الاحباط
.
.
و لكن...... و أنا في خضم تأملاتي و تفكيري الصامت في تلك القضية التي كاد غاندي و الدرويش
(مضربا المثل بالتشبث بالأمل في قناعاتي)
يصرخان معا "مات الأمل بك يا فلسطين"
تلك القضية التي حفر من تحتها و من فوقها و التي شهدت انتفاضات و استكانات ..مجازر و استشهادات ..انتحارين و انتحاريات ..مستوطنين و مستوطنات ..ترهيبا و ارتهابات ..تعظيما و تصغيرات .. انقساما و تحالفات ..
التي جمعت خلال قرابة 60 عاما مواقفا و تطورات عديدة عجزت معظم قصص تاريخ الحروب و الصراعات الانسانية في مجملها
عن جمعها
-لا أدري لماذا كلما أردت البدء بالحديث عن الفكرة الأساسية التي تجول في خاطري تجرفني فكرة أخرى و تجبرني على ذكرها لعله لكثرة التعقيد و التداخلات التي أحاكتها هذه القضية من حولها-
في تلك اللحظة التي اقترب فيها عقلي من تحقيق النصر على عاطفتي و اقترب من اقناعي بعدم الجدوى من التفكير في القضية -و التي لا أحب أن اسميها غير بهذه الكلمة دون اقترانها بكلمة أخرى لا عربية و فلسطينية و لا أي كلمة أخرى فقط القضية -
في تلك اللحظة سألته "أما من أمل بالتحرير"
قال لي انظر من حولك ماذا ترى... ألا ترى ترسانة قادرة على تدمير نصف مساحة وطنك العربي بنصف ساعة دون زيادة دقيقة واحدة
.
لم أجب
عاد و سأل ألا ترى بأن القطب الأوحد في العالم حاليا يقف الى جانب تلك الترسانة و يدعمها و هو في انتظار اشارة من احدى سيداتها
.
لم أجب
ألا ترى أن تلك الصواريخ التي تسقط من قبل من تسميها المقاومة على تلك الترسانة تحتاج أن يصيب الصاروخ الهدف اصابة مباشرة و في الرأس حتى يكون فعالا
.
لم أجب بل و لجمت عاطفتي عن القول أن تلك الصواريخ تصيبهم بالهلع ...كي لا أتعرض للسخرية
...و لكن في تلك اللحظة التي أحسست فيها بالانكسار
و حين كانت عيناي موجهة باتجاه شاشة التلفاز التي تعرض صور العدوان و الأطفال و الشباب و النساء و الرجال و الشيوخ و الفتيات و الأمهات
صور الخاسرين لمقربيهم في معركة بحر الدماء
صدح صوت بسؤال اخر
من هؤلاء الذين تراهم أمامك الان
صرخت : هؤلاء هم
ابن الشهيد و أخو الشهيد
أبو الشهيد و عم الشهيد
حفيد الشهيد و جد الشهيد
أخت الشهيد و حبيبة الشهيد
صديق الشهيد و جار الشهيد
حفيدة الشهيد و أم الشهيد

و لم أستطع أن أكمل
قال "و ماذا تتوقع من هؤلاء ..هل تتوقع أن ينسوا هل تريد لليتيم أن ينسى من قتل أباه أوهل تريد من الأخ أن ينسى من قتل أخاه أو هل تريد من الأم أن تنسى من أطفا شمعة ابنها أو هل أو هل أو هل أو هل أو هل .........
صرخت : كفا
عاد الأمل
الأمل يكون بهذا :
البائس لا ينسى سبب بؤسه و اليتيم لا ينسى سبب حزنه و الجائع لا ينسى سبب جوعه و الثكلى لا تنسى بكرها و الأخ لا ينسى أخاه
و الحبيبة لا تنسى حبها الأول و الصديق لا ينسى رفيق دربه

و فلسطين لا تنسى أولادها
.
.
.
وللأسف
للحديث بقية
15 يناير، 2009