جراحات عربية

صفحات بيضاء و سوداء من حياة ملونة


بالكاد تنفّسنا الصعداء بعد الإفراج عن زميلنا حسين غرير قبل أن يعود اختناق الغضب والحزن ليذكّر صدورنا بواقع القمع والكبت وعبادة الصّمت الذي نعيشه.. وردنا خبر اعتقال زميلتنا رزان غزّاوي.

رزان غزّاوي سوريّة بامتياز.. سوريّة بعملها المحموم للمرافعة عن القضية الفلسطينيّة وﻻجئيها في وسائط الإعلام اﻻجتماعي باللغتين العربيّة واﻻنكليزيّة، سوريّة بالتزامها بكل قضايا التقدّم والعدالة اﻻجتماعيّة والمساواة، سوريّة بوقوفها مع الأحرار في طريقهم لنيل الحرّية والكرامة.. رزان صوتٌ ﻻ يريد له الصمت إﻻ أعداء الحقّ والكرامة والعدالة والحرّية.

نطالب السلطات السوريّة بالإفراج الفوري عن رزان غزّاوي وعن كلّ معتقلات ومعتقلي الرأي والضمير والكرامة، ونحمّلها مسؤوليّة أي أذى قد تتعرّض له، كما نطالبها بكف سياسة القمع الإرهابي الرعناء بحق المواطنين السّوريين، وندعو جميع أنصار الحقّ والحرّية للتضامن مع رزان غزّاوي، معنا، مع سوريا..!

" لم يعد الصمت ينفع بعد اليوم، لا نريد وطناً نسجن فيه لقول كلمة، بل وطناً يتسع لكل الكلمات. " آخر ما طالب به المدون السوري حسين غرير على مدونته, وها نحن اليوم ندوّن بأسى خبر اعتقال زميلنا حسين، من دون معرفة أسباب الاعتقال أو المكان الذي تم اقتياده إليه. حسين, ذو الثلاثين ربيعاُ, متزوج وأب لطفلين, شارك في العديد من حملات التضامن مع الأخوة الفلسطينيين في حرب الكيان الصهيوني على غزة, ودوّن عن حرب الكيان ضد لبنان في 2006 وكان من البارزين في تنظيم حملة "مدونون سوريون من أجل الجولان المحتل" منذ سنوات, والمشاركين في حملة اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف.رُهاب الحرّية والكره العميق للأحرار هو ما يجعلهم يعتقلون حسين، الكلمة هي سلاح حسين وسلاحنا، ونريدها أن تكون سلاح جميع أنصار الصوت مقابل الصمت. ندعوكم لرفع الكلمة وإعلاء الصوت من أجل حرّية حسين غرير وحرّية جميع معتقلي الرأي وأسرى الضمير في زنزانات سوريا. نطالب السلطات السوريّة بالكشف عن مصير حسين وجميع أصدقائنا، عرفناهم شخصياً أم ﻻ، من أسرى الرأي والإفراج الفوري عنهم لما في اعتقالهم من مخالفة للقانون ولحقوق الإنسان، ونطالب أيضاً بوقف اﻻستقواء المخزي على أصحاب الرأي والكلمة. فالقوّة العمياء، مهما كبر حجمها، تبقى عمياء: تتعثر بنفسها وتسقط.عشتم وعاشت سوريا.

إن حياة المواطنة ليست فقط بحاجة إلى نظام مؤسساتي مؤمن بالمواطنة و ضرورتها و بأنها الأسلوب الأمثل من أجل تسخير كافة مكنونات أبناء الوطن المتساوية من أجل النهوض به و السير به نحو الأمام بل و أيضا هي بحاجة إلى فكر مواطني ناضج لدى أبنائه يعمق إيمانهم بالذات و بقدرتهم على الصنع و البناء و يرسخ مبدأ النقد و المحاسبة القانونية الفعلية لكل مسؤول و مقصر .



و هذه الصفات الإنسانية الأخيرة هي أكثر ما تشن الأنظمة السياسية الاستبدادية حرباً عليها فيمعن أتباعها تشويهاً لصورة الإنسان الداخلية أمام نفسه أولا لتهشم مبدأ الإيمان بالذات و بالقدرة على فعل أي شيء باستثناء الجري وراء لقم العيش فتطلق هذه الأنظمة صفارات الانطلاق لهذه السباقات و يضحي أصحاب المراكز الأولى من أكبر المبجلين و المصفقين لرعاة هذه السباقات و مموليها أما أصحاب المراكز المتوسطة و الأخيرة و الذين تفصلهم عن الأوائل عدة دورات حول الملعب فينهشهم الإحباط و اليأس لفقد الثقة و شتات اللقمة فيضحي كل إنسان في المجتمع عدو الآخر و ما يترتب على ذلك من انحطاط على كافة الأصعدة الحياتية فينتشر الفساد و تتردى القيم الأخلاقية و الدينية في المجتمع بالإضافة إلى دور هذه الأنظمة في محاربة و تشويه الثقافة و دور المثقفين فيفقد المجتمع بذلك أبسط أشكال النور و يقبع في ظلام أقبية المخابرات حتى في منزله و بالطبع تنتصر هذه الأنظمة اذا ما حققت استمراراً.( و هذا ما شهدناه مؤخراً في القائمة السوداء و التي تحمل أسماء مجموعة من النخب الثقافية السورية و ما حملته من خطابات حاقدة كاذبة فوقية)





كما يعمل الفكر الاستبدادي للسلطات على تشويه صورة الإنسان أمام الإنسان الآخر لخلق نوع من قطع الأوصال ليفقد أبناء المجتمع ذلك التكاتف الفطري بوجه صاحب السلطة خوفا من سلطته و بهذا يكون قد نسف مبدأ النقد و المحاسبة القانونية و الذي لا يمكن أن ينمو و يتصعد إلا في إطار ذلك التكاتف و الصوت الواحد ليعلو و يصبح عفويا مرعبا فعالاً.





الربيع العربي استطاع خلال فترة وجيزة صقل هذا الفكر الأناني و لا أقصد الأناني بالمعنى السلبي و إنما الأنانية بسبب الخوف و سياسة الاستبداد التي لا يمكن مواجهتها إلا بالحوار الذاتي كخطوة أولى و هنا جاء الربيع العربي كخطوة ثانية استطاعت دفق هذه الأنانية الحتمية في خط جديد من صنع محلي خالص باتجاه الأمام و باتجاه مستقبل مشرق مسطراً أروع ملاحم النضال ضد أشرس و أعتا أنظمة الاستبداد و التي جارت في جبروتها و عنجهيتها الاحتلالات الأجنبية من عثمانية و أوروبية و غيرها.

هنا تسقط فرضية حضارة الوديان
عندما يبدأ الله العمل باسم الشيطان
عندما تلدغ الأشجار نفسها هربا من كنف الأديان
يرسم الأفق لون النعمان
فيئن القمح و يتحدثان :
دماءٌ .. دماء
...
هنا يعلو صوت فراسة الذئاب
هنا تخبو حشرجة وفاء الكلاب
هنا يزداد عشق الثعالب لأحمر الماء
فيتوهج القمر و يحفر :
دماءٌ .. دماء
...
هنا لا ينشق الحجاب عند صراخ الثكالى
هنا لا ينبس الحجر ليخاطب تعالى
هنا لا تفوح راحة التراب برموز الطهارة
هنا تمارس كل أشكال فنون الدعارة
فيهتز عرش الأموات
فينهضوا ليجددوا العهد و اذ بصدى :
دماءٌ .. دماء
...
هنا يذبح الرعاة خراف المسيح فرحا بلحم الانسان
يقرعون أجراس الأفراح عوضا عن قداس الأحزان
يفرحون يرقصون يباركون بكل كذب و رياء
لتصرخ سيدة السماء
و يبكي حجر العذراء
فيحل الراعي البار
محطما قيود السماء
و يخط التمثال بدمه الحار :
أنا لم و لن أبارك بالدماء الدماء

من احدى شرفات وادي النصصصارى

25\07\2011

إلى أبناء وطننا السوري, أخوتنا في الوطن و الوطنية بغض النظر عن أي اختلافات أو خلافات أخرى أياً كان نوعها।


في هذه الساعات الحزينة و المؤلمة بعد تتالي أحداث عنف في نقاط عديدة من جغرافيتنا, و بعد سقوط ضحايا و سيلان الدم على أرض الوطن دون مبرر, اجتمعنا, نحن مجموعة من المدوّنين و كتّاب اﻻنترنت السوريين من مختلف التوجهات الفكرية و السياسية, على مناداة إخوتنا في الوطن و الوطنية للعمل معاً كي نتجنّب المزيد من الدماء و الضحايا و الدموع و الوقوف جميعاً تحت سقف الوطن و الوطنية الجامعة بلا استثناء أو تمييز. و نودّ أن نستغل هذا النداء لنقدّم أحرّ التعازي لعائلات الضحايا و أصدقائهم و لنعبّر عن أملنا بألا نحتاج للتعزية بغيرهم في هكذا ظرف بعد اليوم.

نضع جانباً خلافاتنا و اختلافاتنا الفكرية و الإيديولوجيّة و السياسية لنجمع على موقفٍ إنساني و وطني, نرى فيه واجبنا تجاه هذا البلد الذي يحبنا و نحب, يجتمع حوله الأخوة في الوطن و الوطنية دون استثناء أو تمييز من أي نوع, و لذلك ندعو لنبذ لغة التشكيك بالآخر و وطنيته و نرفض لهجات التخوين و اتهامات العمالة و كل أشكال التحقير و اﻻزدراء و كل توجهات الإلغاء و الإقصاء و ننادي ﻻحترام وجود الآخر المختلف و حقّه في التعبير دون انتقاص منه و دون أن يعني ذلك عدم اﻻتفاق على حب الوطن و البحث عن مصلحته العليا و خيره الدائم.

إننا ندعو القوى الوطنية و الفعاليات اﻻجتماعية و مختلف فئات الشعب السوري العظيم إلى اتخاذ موقف تاريخي ﻷجل تحصين الوطن و تقوية كيانه و ترسيخ أسسه و بناء منصة اﻻنطلاق نحو المستقبل المشرق و العادل و الخيّر لبلادنا و أهلها. و لأجل ذلك ندعو للحوار الصادق و البنّاء و الهادئ في المجتمع السوري, و لتحقيق ذلك نطلب ضمان حرية التعبير و التظاهر السلمي دون كبت أو قمع, و دون أي تخريب في الممتلكات العامة و الخاصة أو مخاطرة بالأرواح و النفوس. إننا نرى في ذلك طريقاً أكيداً نحو الغد الأفضل و نتمنى لو نسير فيه جميعاً بخطى ثابتة و دون تباطؤ.

إننا ننادي للاستماع للمطالب المشروعة لفئات الشعب السوري, و خصوصاً الشباب, و ندعو الجميع للتصدي لكل محاولات التفرقة أو الإقصاء و لكل ما يسيء لوحدة صف الشعب السوري من نعرات تعصبية و طائفية و عرقية.

نتمنى لوطننا السلام و السعادة و الازدهار و اﻻستقرار, و لذلك نناشد في هذه السطور البسيطة أبناء شعبنا للوقوف معاً متحابين و متضامنين و مركّزين على ما يجمع و متحاورين على ما ﻻ ضرر في اﻻختلاف عليه. فوطننا يستحق منا ذلك.. على الأقل

(هذا النص يُنشر بالتزامن في عدد من المدوّنات و المواقع السوريّة, إن كنت موافقاً على مضمونه ندعوك لنشره في مدونتك أو موقعك أيضاً)