خرج العجوز من ذلك المبنى بعد أن مزق كل أوراق الزهور التي كان قد زرعها في قلوب سكان المنزل مانعا نفسه من أن يأخذ زهرة واحدة تذكره بكل من أحبهم في منزله المهجور و تمكنه من فتح باب المبنى في حال قرر العودة
خرج و سار في شوارع مدينته التي ألفها باحثا كعادته عن شيء مميز يراه و يناقشه في قرارة نفسه ليمنح نتيجة تفكيره لمن كان مهتما بها من أهله و لكنه تذكر أنه منذ قليل أنه تركهم الى غير رجعة فعدل طريقه عله يجد شيء اخر يلهيه عما كان يفكر به فلمح شارعا لم يلحظ وجوده من قبل فانشده به و قرر ان يخوض مغامرة السير به دون سند من أحد فعدل من مشيته الهزيلة و رأسه المطأطأ فنصب قامته و نقل يديه من وراء ظهره الى جنبه و زرع ابتسامة على وجهه و انطلق في مغامرته
لفت نظره الألوان الجميلة التي شاهدها للمرة الأولى في حياته رغم عشقه للألوان و لكنها كانت جديدة كليا فأعجب بها و أحبها و تابع طريقه فلاحظ اتباع أسلوب بناء جديد في تلك الشوارع حتى القطط لم تكن مألوفة فقد بدت جميلة نظيفة تحوي الاف الألوان فلمجمل ما رأى من أشكال الحياة الجديدة شعر بدم جديد يسري في عروقه لقد أحس بدم الشباب الذي افتقده منذ مدة عاد اليه و أحس بطاقة جديدة قادرة على صنع كل شيء تابع طريقه و الفرح يملأ قلبه فشاهد مجموعة من الشبان الجالسين على احدى الطاولات التي كان يعرفها لقد كانت شبيهة بطاولة عائلته في منزله المهجور فقرر أن يجلس معهم و يرى ماذا يفعلون فتقدم منهم و ألقى تحيته المعتادة فنظر له الجميع بازدراء و نظروا اليه و الى ثيابه العادية نظرة لم يدرك معناها فقد كانت جديدة عليه و استأذن منهم أن يجلس معهم و يشاركهم بالحديث فلقد كان خبير بمثل هذه الأحاديث التي كانت تجري على مثل هذه الطاولات فانتصب أحدهم و قال له عليك أن تبدل ثيابك و تستبدلها بهذه و أعطاه ثيابا لم تعجبه أبدا و لم يعتد على ارتدائها و لكنه قرر أن يتنازل عن أحد مبادئه ( من لا يقبلني كما أنا ليذهب الى الجحيم ) في سبيل الاطلاع على ما يدور على تلك الطاولة جلس على تلك الطاولة و قدم له أحدهم ورقة تحوي مجموعة من الأسئلة التي كان يكرهها و يكره الاجابة عليها ما جنسيتك ؟؟؟؟ ما دينك ؟؟؟؟؟ ما طائفتك ؟؟؟؟ ما عشيرتك ؟؟؟؟ ما حزبك ؟؟؟؟ ما رأيك بالدين الفلاني ؟؟؟؟
ثم تابع القراءة أما شروط الحديث فهي
أولا يتحدث الأكثر فينا قدما أولى ثم الذي يليه و هكذا أما اخر الجالسين فيحق له التكلم بجملة لا تتجاوز كلماتها العشرة كل 50 جملة لباقي الأعضاء
ثانيا لا يحق لأي عضو أن يتطاول او يعترض على رأي أحد مهما كانت الأسباب
ثالثا يسمح بالتعرض للطوائف بكافة أشكال الكلام و التجريح و الاهانات
رابعا يحق لزعيم الطاولة أن يطلب من أي عضو من الأعضاء تغير دينه أو معتقداته الفكرية اذا رأى هدفا من ذلك
خامسا يحق لأي عضو من الأعضاء اهانة العضو الأقل منه مرتبة فكرية دون مراعاة المشاعر و القيم الانسانية
سادسا و أخيرا الوطن و الانسان اخر ما يمكن الحديث عنهما على هذه الطاولة المقدسة
نهض شابنا الشيخ و مزق الورقة في ذهول من جميع الجالسين و مزق ثيابه الجديدة و ارتدى ثيابه القديمة التي كانت كل قطعة فيها هدية من احد اخوانه على طاولة الأخوى و عاد راكضا الى مبناه العزيز حاملا في جعبته العديد من الأفكار التي أراد مشاركتها مع أفراد أسرته موقنا أن الحياة نبع لا ينضب من الأفكار التي تحتاج الى من يوجهها و يرشدها الى الطريق السليم في سبيل خدمة الوطن و الانسان فهذا قد كان الشرط الوحيد للانتساب الى طاولته العزيزة و عندما وصل الى باب المبنى تذكر أنه قد مزق كافة الزهور التي كانت معه التي كان يستخدمها لفتح الباب منزله فحزن و اقترب مطرقا ملامسا له و اذا به يفتح كما اعتاد دوما فتذكر تلك الزهرة التي نسي التخلص منها أو التي تناسى أن يتخلص منها حفاظا على حياته .............هي تلك الزهرة التي قرر هو أصدقائه زرعها في قلب كل واحد منهم كذكرى و كعربون شكر لتلك الطاولة التي سوف تتلاحق الأجيال على النيل منها و من أعضائها الأحفاد منهم و الأجداد
أخوية باقية
1 التعليقات:
جميل ما كتبت.. و ذو رمزية حلوة
لا تغب عنا فتدويناتك رائعة و جميلة
تحياتي صديقي
إرسال تعليق