" لم يعد الصمت ينفع بعد اليوم، لا نريد وطناً نسجن فيه لقول كلمة، بل وطناً يتسع لكل الكلمات. " آخر ما طالب به المدون السوري حسين غرير على مدونته, وها نحن اليوم ندوّن بأسى خبر اعتقال زميلنا حسين، من دون معرفة أسباب الاعتقال أو المكان الذي تم اقتياده إليه. حسين, ذو الثلاثين ربيعاُ, متزوج وأب لطفلين, شارك في العديد من حملات التضامن مع الأخوة الفلسطينيين في حرب الكيان الصهيوني على غزة, ودوّن عن حرب الكيان ضد لبنان في 2006 وكان من البارزين في تنظيم حملة "مدونون سوريون من أجل الجولان المحتل" منذ سنوات, والمشاركين في حملة اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف.رُهاب الحرّية والكره العميق للأحرار هو ما يجعلهم يعتقلون حسين، الكلمة هي سلاح حسين وسلاحنا، ونريدها أن تكون سلاح جميع أنصار الصوت مقابل الصمت. ندعوكم لرفع الكلمة وإعلاء الصوت من أجل حرّية حسين غرير وحرّية جميع معتقلي الرأي وأسرى الضمير في زنزانات سوريا. نطالب السلطات السوريّة بالكشف عن مصير حسين وجميع أصدقائنا، عرفناهم شخصياً أم ﻻ، من أسرى الرأي والإفراج الفوري عنهم لما في اعتقالهم من مخالفة للقانون ولحقوق الإنسان، ونطالب أيضاً بوقف اﻻستقواء المخزي على أصحاب الرأي والكلمة. فالقوّة العمياء، مهما كبر حجمها، تبقى عمياء: تتعثر بنفسها وتسقط.عشتم وعاشت سوريا.
إن حياة المواطنة ليست فقط بحاجة إلى نظام مؤسساتي مؤمن بالمواطنة و ضرورتها و بأنها الأسلوب الأمثل من أجل تسخير كافة مكنونات أبناء الوطن المتساوية من أجل النهوض به و السير به نحو الأمام بل و أيضا هي بحاجة إلى فكر مواطني ناضج لدى أبنائه يعمق إيمانهم بالذات و بقدرتهم على الصنع و البناء و يرسخ مبدأ النقد و المحاسبة القانونية الفعلية لكل مسؤول و مقصر .
و هذه الصفات الإنسانية الأخيرة هي أكثر ما تشن الأنظمة السياسية الاستبدادية حرباً عليها فيمعن أتباعها تشويهاً لصورة الإنسان الداخلية أمام نفسه أولا لتهشم مبدأ الإيمان بالذات و بالقدرة على فعل أي شيء باستثناء الجري وراء لقم العيش فتطلق هذه الأنظمة صفارات الانطلاق لهذه السباقات و يضحي أصحاب المراكز الأولى من أكبر المبجلين و المصفقين لرعاة هذه السباقات و مموليها أما أصحاب المراكز المتوسطة و الأخيرة و الذين تفصلهم عن الأوائل عدة دورات حول الملعب فينهشهم الإحباط و اليأس لفقد الثقة و شتات اللقمة فيضحي كل إنسان في المجتمع عدو الآخر و ما يترتب على ذلك من انحطاط على كافة الأصعدة الحياتية فينتشر الفساد و تتردى القيم الأخلاقية و الدينية في المجتمع بالإضافة إلى دور هذه الأنظمة في محاربة و تشويه الثقافة و دور المثقفين فيفقد المجتمع بذلك أبسط أشكال النور و يقبع في ظلام أقبية المخابرات حتى في منزله و بالطبع تنتصر هذه الأنظمة اذا ما حققت استمراراً.( و هذا ما شهدناه مؤخراً في القائمة السوداء و التي تحمل أسماء مجموعة من النخب الثقافية السورية و ما حملته من خطابات حاقدة كاذبة فوقية)
كما يعمل الفكر الاستبدادي للسلطات على تشويه صورة الإنسان أمام الإنسان الآخر لخلق نوع من قطع الأوصال ليفقد أبناء المجتمع ذلك التكاتف الفطري بوجه صاحب السلطة خوفا من سلطته و بهذا يكون قد نسف مبدأ النقد و المحاسبة القانونية و الذي لا يمكن أن ينمو و يتصعد إلا في إطار ذلك التكاتف و الصوت الواحد ليعلو و يصبح عفويا مرعبا فعالاً.
الربيع العربي استطاع خلال فترة وجيزة صقل هذا الفكر الأناني و لا أقصد الأناني بالمعنى السلبي و إنما الأنانية بسبب الخوف و سياسة الاستبداد التي لا يمكن مواجهتها إلا بالحوار الذاتي كخطوة أولى و هنا جاء الربيع العربي كخطوة ثانية استطاعت دفق هذه الأنانية الحتمية في خط جديد من صنع محلي خالص باتجاه الأمام و باتجاه مستقبل مشرق مسطراً أروع ملاحم النضال ضد أشرس و أعتا أنظمة الاستبداد و التي جارت في جبروتها و عنجهيتها الاحتلالات الأجنبية من عثمانية و أوروبية و غيرها.